شاورما الصديق: 111 عاماً من العطاء
عندما غادر محمد صديق الخباز(1853– 1963
دمشق في عام 1873 متجهاً نحو اسطنبول طلباً للرزق لم يكن ليتوقع (انه سيعود بعد 27 عاماً ويفتتح محله الصغير لبيع الشاورما في عام 1906)نه ابتدأ تقليداً جديداً
.في فن الاطعام انتشر لاحقاً في شتى ارجاء الشرق الأوسط
عمل بنشاط في اسطنبول متنقلاً بين حرف مختلفة إلى ان استقر به المقام في محل للشاورما حيث تعلم فن صنع الشاورما إلى حد الكمال ولكن لا غربة تطفئ شوق الحنين وألم الجوى ولاشيء يعدل الوطن. حزم أمره ميمماً شطر مسقط رأسه دمشق .ما ان بدت مشارفها حتى أهوى على ترابها يقبل أديمها الطاهر ويبلل بدموع حرى عروق منابتها عاقداً العزم على البدء من جديد . استأجر محلاً صغيراً في وسط دمشق وبدأ بتطبيق مهاراته المكتسبة وعزيمته المتقدة في تحضير أول شاورما في سوريا
كان يلملم أحطاب الوقيد وينضج وجباته اللذيذة على اوارها من رقائق لحوم الخراف الشهية متبلة بخلطة بهاراته الخاصة جاهداً لتقديم وجبة حسنة الإعداد بطريقة بسيطة يصحبها الكبة والسلطة المجهزة
من الخضار الطازجة واللبن الرائب
لزبائن تقاطروا لتذوق الطبق الجديد الذي حل ضيفاً على مطبخهم العريق
عاش رحمه الله عمراً مديداً حافلاً بالعطاء وعاملاً حتى أواخر أيامه إلى ان توفاه الله عن عمر بلغ 110 أعوام
لا يزال محله الاساسي موجوداً في ذات المكان يستقبل رواده بذات الحفاوة والطعم الشهي والخلطة السرية التي تضفي مذاقها الآسر على عشاقها بإشراف
أحفاده من الجيل الرابع المخلصين لأمانته واستقامته
تناولت وجبتي الاولى في هذا المكان قبل أربعين عاماً فتى يافعاً أثناء حضوري دورة صيفية في العاصمة ولا أزال أتذكر الجموع التي تصطف لتناول اللفائف الشهيرة.وكلما عدت إلى المكان ألحظ ثبات الطعم الذي دأب الأحفاد على المحافظة عليه مما يضفي مزيداً من المصداقية على المستوى الرفيع من الجودة والحرفية
التي اشتهروا بها
عندما التقيت السيد ايمن الخباز من ابناء الجيل الرابع من عائلة الصديق اليوم
شرح لي استمرارية التقاليد على خطى الجد المؤسس
وأضاف ان العائلة قررت في عام 1996 تحويل بيتها الشامي العريق الذي يعد معلماً تاريخياً رائعاً يزيد عمره عن 400 عام إلى مطعما لتلبية الطلب المتزايد
وأضاف ان المحل القديم اختص بتقديم شاورما الدجاج
مع مراعاة المواصفات ذاتها لتوفير بديل اقتصادي للزبائن الذين لا يقدرون على تحمل كلفة
لحم الخروف الأغلى ثمناً
ويضيف: حافظنا على بساطة التقديم
على منوال جدنا الأكبر حيث تحظى الجودة بالإهتمام دون أي تنازل على الإطلاق
تضفي الجلسة في هذا المنزل التاريخي الهادئ جواً من الجماليةحيث البحرة الدمشقية وخرير المياه الرقراق
مسدلة جواً من الشاعرية على هذه التجربة الفريدة
تعلم الكثير من الأفراد فن صنع الشاورما على يدي هذا المعلم وانتشروا ينشرون تلك المعرفة في طول البلاد وعرضها وافتتحوا مئات المطاعم عبر البلاد وخارجها ولكن لا شيء يرقى لمذاق الطعم الأصلي
بعد ان أنهيت طعامي وحديثي مع طاقم العمل صحبني أحدهم إلى الصالة الرئيسية
ليريني هذه المرآة العملاقة القديمة قدم المنزل والمؤطرة بخشب الجوز والمرصعة بالأصداف الجميلة. تحفةفنية اثرية محفوظة بعناية فائقة. يا له من شعور.أطرقت متأملاً في هذه
التجربة التاريخية. لا أعتقد ان كثيراً من الأماكن في العالم توفر لك مثل هذه الوجبة التقليدية في