ما الذي يتطلبه الأمر لبناء برج يصل ارتفاعه إلى الفضاء الخارجي؟

Ibrahim Alalou
4 min readJan 31, 2019

--

إبراهيم عبدالله العلو

لا يمكن إشباع رغبة البشر بتشييد الأبنية الأكبر والأروع على مرّ التاريخ ابتداءً بالأهرامات في مصر القديمة وسور الصين العظيم وانتهاءً ببرج خليفة في دبي والذي يُعتَبر الآن أعلى صرحٍ في العالم بارتفاع 828 متراً والذي يُعتَبر نتيجة لدفع الهندسة نحو أقصى حدودها.

ما الذي يتطلبه الأمر لبناء برج يصل ارتفاعه إلى الفضاء الخارجي؟

ولكن المباني الهائلة ليست معالم تدلّ على الطموح البشري فحسب ، ولكنها قد تحمل مفتاح تقدّم البشرية في عصر الفضاء.

يتم اليوم تدوال مُقترحات لبناء برج مستقل أو”مصعد فضائي” قد يصل إلى المدار الجيوتزامني حول الأرض. وقد يصبح مثل ذلك البرج بديلاً للنقل المعتمد على الصواريخ ويخفض بشدّة كمية الطاقة اللازمة لرفعها في الفضاء. وقد نتخيّل أبنية فضائية عملاقة يزيد حجمها عن عدّة كيلومترات وتزوّد بالطاقة الشمسية وربما تشمل كواكب بأكملها وحتى بعض النجوم.

تمكّن المهندسون في السنوات القليلة الماضية من البناء على مستويات أكبر بفضل قوّة وموثوقيّة مواد جديدة مثل خلائط الحديد الحديثة. ولكن مع ولوجنا عالم الأبنية المهولة الحجم- التي تزيد أبعادها عن 1000 كيلومتر أو أكثر- أصبحت المحافظة على الأمان وكمال البنيان تحدياً مريراً.

وكلما ازداد حجم البناء كلما زاد الإجهاد الذي يعانيه بسبب وزنه وحجمه.(والإجهاد هو مقياس للجهد الميكانيكي كالذي يحدث عندما تجذب شيئاً ما من أحد جانبيه أو تعصره. “والقوة” هي الجهد الأعظمي الذي يستطيع البناء تحمّله قبل التحطّم).

وتبيّن أن التصميم البيولوجي المُعزّز ب 3.8 مليار سنة من التجربة قد يعيننا على حل هذا اللغز. وقبل عصر عِلم المواد اضطر المهندسون للنظر إلى الطبيعة بحثاً عن حلول إبداعية لمساعدتهم على التغلّب على قيود موادهم.

قامت الحضارات التقليدية بتقوية آلاتها الحربية بأوتارٍ مجدولةٍ مصنوعةٍ من جلود الحيوانات والتي يمكن مطّها وإرجاعها إلى حجمها الأصلي لإطلاق المقذوفات على العدو. وبعدها اكتشفت مواد أخرى مثل الحديد الصلب والإسمنت وأصبحت أقوى وأخفّ وزناً.

ودفع ذلك لإيجاد تخصّص فرعي يُسمّى “هندسة الموثوقية” . بدأ المصمّمون بصنع بنى أقوى بكثير من الحمل الأعظمي الممكن التي تضطر لحمله- والذي يعني أن الجهد على المواد بقي ضمن مجال تصبح فيه إمكانية التحطّم مُنخفِضة للغاية. وعندما تحوّلت الأبنية إلى أبنيةٍ عملاقةٍ بيّنت الحسابات أن هذا النهج المتجنّب للمخاطر يضع حداً لحجمها.

تدفع الأبنية العملاقة المواد إلى حدودها القصوى وتزيل رفاهية تجوية مستويات مريحة من الإجهاد.

ولكن عظامنا وأوتارنا التي في أجسادنا لا تتمتّع بتلك الرفاهية وغالباً ما تكون مضغوطة أو مشدودة أبعد بكثير من نقطة توقّع تحطّم موادها. ولكن هذه المكوّنات للأجسام البشرية لا تزال أكثر موثوقية من مجرّد ما تقترحه متانة موادها. مثلاً قد يدفع الركض وحده وتر عقب أخيل إلى ما يزيد ب 75% عن قوّة الشدّ العظمى فيه ، بينما يعاني حاملو الأثقال(الربّاعون) إجهاداً يزيد ب90% عن قوّة الجذع القطني عندما يرفعون مئات الكيلوغرامات.

كيف تتعامل البيولوجيا مع هذه الأحمال؟

الجواب في أجسادنا فهي تصلح وتدور موادها بشكل مستمر. يتم استبدال ألياف الكولاجين في الأوتار بطريقةٍ تبقي الوتر الكامل سليماً أثناء الترميم. وهذا الترميم الذاتي المستمر فعّال للغاية ورخيص التكلفة وقد يتغيّر تبعاً للحمل. وبالفعل تكون جميع البنى والخلايا في أجسادنا في حال تبديل مستمر ويعتقد أن 98% من الذرّات في الجسم البشري تستبدل كل عام.

قمنا مؤخّراً بتطبيق نموذج الترميم الذاتي هذا لاستكناه إمكانية بناء مصعد فضائي موثوق بالمواد المتوافرة. ويعرض تصميم مقترح وشائع كابل بطول 91000 كيلومتر (يُدعى الطور) يمتد من خط الإستواء ويتوازن بثقل مُكافئ في الفضاء. وسيتألّف هذا الحبل من حِزَم من الألياف المتوازية المُماثلة لألياف الكولاجين في الأوتار أو العظمون في العظام ، ولكنها مصنوعة من كيفلار وهي مواد موجودة في السترات المُضادّة للرصاص والسكاكين. وباستخدام المجسّات وبرمجيات الذكاء الإصطناعي يمكن بناء نموذج للحبل رياضياً ، بحيث يمكن توقّع زمن ومكان وآلية تحطّم الآلياف. وعندما تتلف تقوم المتسلّقات الروبوتية الصاعِدة والنازِلة على الحبل باستبدالها وتعديل معدّل صيانتها وإصلاحها عند الحاجة- محاكية حساسية العمليات البيولوجية. وبالرغم من العمل في ظروف إجهاد مرتفعة بالمقارنة مع ما قد تتحمّله المواد أثبتنا أن هذا البناء سيكون موثوقاً ولن يتطلّب مستويات جسيمة من الاستبدال.

وتم خفض القوّة العظمى اللازمة للمواد كي تنجز بناءً موثوقاً بمقدار 44%.

قد يساعد هذا النهج الهندسي المُستوحى من الطبيعة على تهيئة البنى هنا على الأرض مثل الجسور وناطحات السحاب. ومن خلال “تحدّي” موادنا وتجهيز الأنظمة بآليات إصلاح واستبدال ذاتي نستطيع تخطّي حدودنا الراهنة وفي الوقت ذاته تحسين الموثوقية. ولكي تحصل على شعور بفوائد العمل قرب حدود مقاومة الشدّ أنظر إلى الجسر المُعلّق الذي يحوي أطوالاً من الحبل المعدني الذي ينخمص في الوسط. وتكون العقبة الرئيسة أمام زيادة طول الجسر ، مع استخدامنا لحبال أطول تصبح أثقل وزناً وتتكسّر تحت ثقلها الذاتي. وإذا شدّ الحبل بأكثر من 50% من مجموع قوّته يكون الطول الأعظمي 4 كيلومترات، ولكن عندما ينشد إلى 90% من قوّته ترتفع المسافة إلى أكثر من 7.5 كيلومترات. ولكن ضمان أمان الكبل يتطلّب استبدال الألياف الحديدية في عملية شديدة الدقّة مثلما يحدث في الأنظمة البيولوجية.

لم تعد الأبنية العملاقة ضرباً من ضروب الخيال العِلمي. ولم يثن البشر انهيار برج بابل كما ورد في العهد القديم وتابعوا بناء صروح أكبر وأعلى وأسرع محفّزين بتطوّرات هائلة في العِلم والتكنولوجيا. ولكن بمعايير الهندسة الموثوقية الكلاسيكية لا نزال على مبعدة من الهدف. نحتاج بدلاً من ذلك لنموذج جديد يركّز على قوّة المواد ومقدّرات الأنظمة على إعادة البناء الداخلي. ولا نضطر للنظر أبعد من وفرة الحياة البيولوجية حولنا والثقة بأننا نستطيع تعلّم الكثير من نطاق التاريخ التطوّري.

المصدر : مجلة Aeon

المصدر: الميادين نت

--

--

Ibrahim Alalou
Ibrahim Alalou

Written by Ibrahim Alalou

Life-long learner. Translator. Writer. Seeking answers to mind-boggling questions .إبراهيم العلو. من سوريا. مهندس زراعي . كاتب ومترجم. ibrahimalou.blogspot.com.

No responses yet