إمبراطورية السرية في القوات المسلحة الأمريكية
تأليف الجنرال داني سجورسن
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو
“تموت الديموقراطية في الظلام”. هذا قول قديم أعادت الواشنطن بوست تدويره ليصبح شعارها مع إنبلاج حقبة ترامب. وفي الحقيقة لا يعلم الصحفيون في البوست نصفه ولا يأبهون بالكتابة عن السرية المفرطة ونقص الشفافية الذي يتصاعد في وزارة الدفاع. ولا أقصد الإنتقاص من الصحيفة أو غيرها من منافذ وسائل الإعلام الرائجة.
ولكهنا حقيقة: أمام أنوف معظم الأمريكيين. لقد أصبحت القوات المسلحة أكثر إعتاماً خلال السنوات القليلة الماضية. واليوم تغطي أعداداً أقل من الوسائل الإعلامية السياسة الخارجية بذوق محدد –فهناك ما يكفي من دراما ستورمي دانيلز أو برت كافانو. ولكن هذه النزعة يجب أن تهم المواطنين كافة.
فكل ما تفعله القوات المسلحة في أي يوم تفعله باسم المواطن. وإذا قتل مدنيون أو أبعد محليون أو قيدت حريات فإن الجمهور العالمي بما فيهم المواطنين الأمريكيين لن يصب اللوم حصراً على القوات المسلحة…ولكنهم سيلومونك أنت أيها المواطن. وإذا لم يكن من سبب ثاني لهذا اللوم فإن على كافة المواطنين في أي ديموقراطية معتبرة إيلائه ما يكفي من الإهتمام.
فالقوات المسلحة هي أداة عنيفة وقد تصبح وحشية وعلى كل من يهتم بالحرية مراقبتها عن كثب.
ولكن ذلك أصبح أصعب فأصعب في المناخ السياسي لهذه الأيام. إذ قامت القوات المسلحة الأمريكية مرة تلو أخرى بتشديد السرية وأحالت كثير من المعلومات التي كانت متاحة للعموم إلى معلومات سرية وكبحت أي إحساس متبقي من الشفافية. ولكن لا تعتمد على كلامي فحسب. كتب في هذا الأسبوع أحد رجال الكونجرس الديمقراطيين البارزين، آدم سميث، وهو عضو في لجنة المجلس للقوات المسلحة بإستفاضة عن هذا الموضوع.
وهذه التوجهات موجودة منذ زمن وبشكل تدريجي لذلك فإن ما أقوله لا يعتبر تهجماً ليبرالياً عقيماً على الرئيس ترامب والذي يبقى لأسباب قانونية وطالما ارتديت البذة العسكرية قائدي الأعلى. ولكن مضى الوقت الذي يحتاج فيه المرء للصراخ من أعلى الجبل حول إمبراطورية السرية المتنامية.
ورغم وجود العديد من الأمثلة للمراجعة يجب أن لا ننسى شيئاً محدداً: فالقوات المسلحة ليست وحشاً متجانساً.
وهي أكثر تحفظاً من ذلك وكذلك هذه التوجهات لذا دعنا نلقي نظرة عن كثب.
تتوافر الأدلة بكثرة. وبعيد تنصيب الرئيس بقليل تلقت القوات المسلحة — والتي أدركت منذ زمن طويل وخططت لوجود تهديد التغير المناخي- توجيهاً بحذف المصطلح من تقاريرها وإستبداله بعبارت ألطف مثل “الطقس المتطرف”.
ثم نرى الشأن الثانوي للحرب في أفغانستان وتطورها بعد ما يقرب من 17 سنة كما تعلمون.
ومن بين إحدى المعايير أو المقاييس لتطورها كان نجاح أو فشل قوات الأمن القومي الأفغانية.أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية على مدى سنوات أرقاماً سنوية لأعداد الضحايا للقوات الأمنية الأفغانية وكانت التوجهات مثيرة للذعر. ولا يمكن تحمل هذه الخسائر بالأرواح في تلك القوات بكل صراحة — إذ تقتل طالبان أكثر مما تستطيع الحكومة تجنيده.
ومعدلات الوفيات مرعبة ووصلت عام 2015 إلى 5500 قتيل وفي عام 2016 إلى 6700 قتيل وما يقدر ب10000 قتيل عام 2017. و لانعلم بالتأكيد العدد الحقيقي للعام الماضي لإن المعلومات-وفق رغبة الحكومة الأفغانية كما يشاع- أعتبرت سرية. ويبدو ذلك سخيفاً. إذ كيف سيتمكن المشرع أو الرأي العام تحديد حيوية أو مآل أطول حرب أمريكية بدون مثل تلك الإحصائيات الأساسية؟ والجواب القصير هو بالنفي ولذلك تستمر رحى الحرب بالدوران بلا نهاية.
أضف إلى ذلك برود علاقة القوات المسلحة والتي لم تكن دافئة في يوم من الأيام مع وسائل الإعلام. وكما ذكر النائب سميث ،واشتكى منه، أصدرت وزارة الدفاع تعميماً يقضي بتحجيم أو تقييد إدلاء الضباط بتقييمات صريحة حول تحديات الجاهزية وضبط الأسلحة النووية وبعض القضايا الرئيسية الأخرى. وبعد كثير من الإحتجاج العام سمح لبعض هذه التفاعلات مع وسائل الإعلام بالظهور بشكل جزئي. ومع ذلك يشير ذلك إلى توجه خطير في تخفي الجهاز.
ويمكن إضافة أمثلة عديدة إلى هذا المزيج المزعج. توقفت البحرية عن التصريح عن الحوادث الطارئة للعموم. وفي الوقت الذي تشهد فيه ميزانيات الدافاع تضخماً مهولاً تم تصنيف التقارير الروتينية حول كلفة وبرنامج وأداء أنظمة الأسلحة المتطورة منذ عام 2017 بعبارة”للإستخدام الرسمي قط” مما يبعد هذه البيانات عن العامة عبر نظام متنامي من زيادة السرية والتحوط وبدون مثل تلك التقارير العلنية لا يستطيع الشعب وممثليه المنتخبين من مراقبة ما وصفه الرئيس(والجنرال الخمسة نجوم)أيزنهاور بذكاء المجمع الصناعي العسكري “الخطير”. هل هذا هو المقصود؟ أمل أن لا يكون كذلك.
وهناك الرقابة الداخلية ضمن شبكات الحواسب العسكرية. حيث تم مؤخراً حجب بعض المواقع التي تميل قليلاً لليسار مثل توم ديسباتش وانترسيبت عن كثير من الحواسب الحكومية. وكان التبرير لذلك الحجب وجودعبارات “الكراهية والعنصرية” على الموقعين. وربما لا يحب كثير من القراء والكثير من المواطنين الأمريكيين محتوى هذه المنشورات وهذا أمر جيد ولكن أي فرد قرأ أي شيء على هذه المواقع لا يستطيع إلا أن يقول بصدق: لا يوجد أي من الكراهية أو العنصرية المدعاة على توم ديسباتش أو انترسيبت. تخضع هذه المنشورات لتحرير ومراجعة محررين محترفين وتعتبر بحق متفردة في تركيزها على المقالات التحليلية المطولة.
ولكن يبدو أن جريمة هذه المواقع الحقيقية هي ميلها إلى اليسار. نعم تميل لليسار. وهل يحتاج ذلك إلى إثبات؟ ولكن ما هي المواقع العنصرية والتي تشير إلى نظرية المؤامرة والتي تبقى دون حجب؟
نعم لقد حزرتم. برتبارت وانفوورز. وحتى فيسبوك وتويتر إتخذت خطوات لحجب موقع انفوورز لاليكس جونز من مواقع التواصل الإجتماعي.
لذا يمكن استنتاج خلاصة وحيدة: لا بأس بالمنشورات اليمينية العدائية ولكن المواقع المعتبرة والمحترمة والتي تميل لليسار تصبح تهديداً ظاهراً. وهذا النوع من التصنيف التحزبي مزعج لأنه يأتي من مؤسسة غير سياسية ألا وهي وزارة الدفاع.
لا شك أن ثمة إجراءات تكتيكية تقتضي السرية في العمليات العسكرية. وقد خضت غمار ذلك وعشت فوق رأس الحربة ولا أقلل من قساوتها العرضية.
ولكن الإبتعاد عن الشفافية لا يتعلق كثيراً بالمعركة ولكنه يتصل أكثر بالسياسة. نحن كمواطنين نثق بقواتنا المسلحة ذات المسؤولية الجسيمة ولكن في الديموقراطية المفترضة يجب أن تخضع تلك القوات لمساءلة الكونجرس والعموم. ولكن ذلك أصبح في هذه الأيام أمنية بعيدة المنال.
وهذا مهم للغاية. على أمريكا الإختيار بين أن تصبح إمبراطورية أو ربما تصبح جمهورية رائعة وربما لا تصبح أي منهما.
المصدر: https://www.truthdig.com/articles/the-u-s-militarys-empire-of-secrecy/
المصدر: الميادين نت