التغيّر المناخي سيدفع إلى هجرة 200 مليون إنسان
تود ميلر
تؤكد الأبحاث أن الهجرة الهائلة بالملايين ستكون إحدى العواقب التي لا يمكن تفاديها للاحتباس الحراري العالمي.
الهجرة الهائلة ستكون إحدى العواقب التي لا يمكن تفاديها للإحترار العالمي
عندما أعلن عالم الإيكولوجيا في جامعة أوكسفورد نورمان مايرز عام 2005 أن العالم سيشهد وجود 25 مليون مهاجر” بفعل المناخ” بحلول عام 2012 لم تتوفر الأبحاث الداعمة لتلك النظرية. تواجد سيل من التقارير المتزايدة بالطبع ولكن وفق ما أخبرني كوكو وارنر من جامعة الأمم المتحدة والكاتب الرئيسي للعديد من تلك التقارير “لم يتوفر آئنذاك البحث الطرائقي العلمي الذي يتوفر اليوم.”
تثبت أبحاث اليوم أن الهجرة الهائلة –المرتبطة كعادتها بالعديد من الآثار الأخرى- ستكون إحدى العواقب التي لا يمكن تفاديها للإحترار العالمي.
سيؤثر ذوبان جبال الجليد على تدفق المياه وإنتاج الغذاء والهجرة كما تؤثر الحرارة والجفاف على إنتاج الغذاء والهجرة أيضاً.
والكوارث البيئية هي محرك أساسي للهجرة و التهجير قصير الأمد رغم أن بعض الدراسات أكدت أن التآكل البيئي التدريجي هو المسبب للترحال على المدى البعيد) .
ستستمر تداخلات المياه المالحة والفيضانات وزيادة العواصف والتآكل ، وكلها قضايا تواجه شمال هندوراس، في دفع أعداد متزايدة من البشر نحو الهجرة.
يقول وارنر وزملاؤه: “ثمة دليل قاطع على أن عواقب التغير المناخي سوف تدمر الزراعة التجارية والمستدامة على الكثير من الجزر الصغيرة.”
يذكر أن أنهار الغانج والنيل والميكونغ هي أماكن سيرتفع فيها مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد مما يؤثر على 235 مليون شخص ويخفض مساحة كتلة الأرض بمقدار 1.5 مليون هكتار. وسيتأثر 10.8 مليون شخص آخر بشكل مباشر إذا إرتفع مستوى سطح البحر بمقدار مترين، وهي نسبة تستقرئها نماذج الطقس حالياً بوجود التقارير المؤخرة عن محفزات الإرتداد وتسارع تفتت الصفائح القطبية الجليدية. ويقولون إن ملايين البشر سيضطرون إلى ترك منازلهم في السنوات القادمة.
تحدث آثار جدية للتغير المناخي حالياً ويمكن توقعها في المستقبل بكل تأكيد ويوجد اليوم بحوث تجريبية تربط المناخ بالهجرة. ففي ساتكيرا وهي منطقة ساحلية في بنغلادش ذكر أكثر من 81% من السكان إرتفاع نسبة الملوحة في أراضيهم عام 2012 بالمقارنة مع 2% قبل عقدين من الزمن. قام المزارعون بزراعة سلالة مقاومة للملوحة من الأرز عندما ضرب إعصار ايلا عام 2009. ولكن إرتفاع الملوحة في التربة كان مدمراً إذ فقد أغلب المزارعين محصولهم في ذلك العام.
كتاب “اجتياح الجدار: التغيّر المناخي والهجرة والأمن القومي” للباحث تود ميلر
وبحسب تقرير الخسائر والأضرار الصادر عن جامعة الأمم المتحدة قرر 29% من المزارعين الهجرة رغم إمتلاك العديد منهم لبذور سلالات متحملة للملوحة. ولنتذكر أنه في حال عبورهم إلى الهند سيواجهون جداراً حديدياً وحراس الحدود الهنود الذين أطلقوا النار وقتلوا أكثر من 1000 شخص من بنغلادش.
استنتج البحاثة في كينيا أن فيضانات عام 2011 التي تبعث نمطاً من زيادة الهطل المطري على مدى العقود القليلة الماضية قد جرفت المحاصيل وأغرقت قطعان الماشية وألحقت أضراراً فادحة بالمنازل وتسببت بموجة من الأمراض الناشئة في المياه. جاءت المساعدات ولكنها لم تكن كافية. هاجر 64% من السكان أو إنتقلوا إلى مخيمات. أما الجفاف الذي حلّ بالضفة الشمالية لغامبيا عام 2011 فقد أثّر على 98% من 373 عائلة وخسر أغلبهم كامل محاصيلهم. وقد حاول الناس إيجاد دخل بديل لشراء الطعام وباعوا أشياء في الإقتصاد غير الرسمي وإقترضوا المال.
ولا يزال التهجير والهجرة يؤثران على 23% من سكان تلك المنطقة. وبينما يفضل معظم الناس البقاء بالقرب من مواطنهم بعد الرحيل ولا يعبرون حدوداً دولية. ولكن حكايا الأفراد من كثير من الدول الأفريقية والذين يواجهون نظام الحدود الأوروبية المدعم والذي يلقب عادة بقلعة أوروبا تكاد لا تنتهي.
تتباين التقديرات الحالية للاجئي المناخ بشكل كبير وربما تصل إلى مليار شخص بحلول عام 2050. وبغض النظر عن الرقم النهائي يجب أن نتذكر أن معظم من يصدر هذه التقديرات يقول أن الهجرة البشرية في القرن الحادي والعشرين ستكون مهولة. تبقي المنظمة الدولية للهجرة الرقم عند 200 مليون شخص. وتقدر المؤسسة الأميركية لتقدم العلوم محاولة 50 مليون شخص التنقل للهروب من بيئاتهم بحلول عام 2020. وفي الوقت المنظور ستقدم هندوراس والعديد من الدول في الجنوب العالمي معظم هذه الأعداد.
كتبت هارشا واليا: “تكشف أنماط الهجرة والترحال العلاقات غير المتساوية بين الأغنياء والفقراء والشمال والجنوب وبين بياض وعرقية الآخرين.” وقالت مناصرة حقوق الإنسان انجيلا دافيس أثناء زيارتها لمدرسة استوطن فيها المهاجرون في ألمانيا عام 2015 “أن حركة اللجوء هي حركة القرن الواحد والعشرين، وهي الحركة التي تتحدى آثار الرأسمالية العالمية والتي تدعو إلى حقوق مدنية لكافة بني البشر”.
وربما أتجرأ وأضيف أنها الحركة التي ستتحدى استهلاك الوقود الأحفوري وتلويثه للمجال الحيوي الحي. وربما يكمن الجواب لدى اللاجئين وتجاربهم الحياتية.
أخبر الدكتور مايكل جيرارد من مركز سابين لقانون التغيّر المناخي في جامعة كولومبيا الصحافي اريك هولثاوس قائلاً:” أعتقد أن دول العالم بحاجة للبدء بالتفكير بشكل جدي بالأعداد التي ستستقبلها. وما الحالة المريعة في أوروبا حالياً إلا جزء يسير مما سيحدث بسبب التغيّر المناخي.”
وقال جيرارد في مقالة رأي في صحيفة الواشنطن بوست أن الدول يجب أن تستقبل الناس بشكل يتوافق مع نسبة إنبعاثات غازات الدفيئة التي تلوّث بها المناخ. كانت الولايات المتحدة مسؤولة عن 27% من مجموع إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية ما بين عامي 1850 و2011 وأوروبا عن نسبة 25% والصين عن نسبة 11% وروسيا عن نسبة 8%- لذا يجب على كل دولة الإلتزام بإستقبال نسبة متكافئة من لاجيء المناخ.
ولكن تلك الدول هي ذاتها من يمتلك أعلى الموازنات العسكرية في العالم وهي من يشيد اليوم جدراناً حدودية شاهقة.
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو
المصدر: الميادين نت