“ناسك المخا”: إحياء القهوة اليمنية في كاليفورنيا
ديف إيغرس
قصة حقيقية عن شاب يمني أميركي يحلم بإعادة إحياء القهوة اليمنية فينقلها من مدينة المخا إلى الولايات المتحدة الأميركية.
كتاب “ناسك المخا” من تأليف ديف إيغرس
يتبع كتاب ديف ايغرس الجديد، “ناسك المخا” على غرار كتابيه السابقين: “زيتون” و”ما المشكلة” مسار مهاجر مسلم من حالات الفقر إلى الغنى الأميركي مروراً بجميع المشاكل الحادثة على الطريق وما بعد الوصول.
وبطل ناسك المخا هو مختار الخنشلي وهو رائد أعمال متحدر من أسرة يمنية مهاجرة يقرر إنقاذ صناعة القهوة اليمنية عبر إستيراد القهوة من موطن أبويه إلى الولايات المتحدة.
ويؤكد ديف ايغرس في المقدمة أن حكاية الخنشلي “تتمحور حول الحلم الأميركي”.
ينتقد ايغرس مرة أخرى “شيطنة المسلمين” وخاصة بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة ويذكّر الجميع أن الشعب الأميركي: “خليط من الأفراد الذين لا يوحدهم الخوف أو الجبن أو الركود بل الوفرة اللاعقلانية والريادة العالمية على المستوى البشري وصدقية الدفع الحثيث إلى الأمام والذي تقوده شجاعة صلبة بلا قيود.”
ولد مختار الخنشلي في الولايات المتحدة في منطقة تندرلوين الفقيرة في سان فرانسيسكو لمهاجرَين يمنيَين من الجيل الأول.
لم يكن مختار طفلاً نموذجياً وعندما بلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً لم يرَ والديه خياراً سوى إرساله إلى اليمن. لم يحب الخنشلي المدرسة وتوجب على والديه العمل من أجل البقاء ولم يتوفر لهما الوقت الكافي لتعليمه. ولذلك كانت تلك الطريقة الوحيدة لتعليمه بعض الآداب وتملك بعض الإنضباط.
وبالفعل نجحت تلك الطريقة. إذ أعجب مختار كثيراً بأخلاق العمل لدى جده ومن خلاله إزداد تقديراً لثقافته اليمنية الأصيلة.
حصل مختار على وظيفة عندما عاد إلى الولايات المتحدة في شركة بانانا ريببليك كمندوب مبيعات وبذل كل ما في وسعه لإنهاء دراسته الثانوية.
وبعدها حصل على وظيفة أخرى في وكالة سيارات هوندا وانتسب إلى كلية محلية. ولكنه إكتشف بعد فترة قصيرة أن هذا العمل لا يليق به عندما تبين له غش رئيسه في العمل لأحد الزبائن بأكثر من 1000 دولار. فتوقف عن العمل وفي الوقت ذاته عن الدراسة الجامعية لعدم توافر المال الكافي.
وتنقل مختار بين مهن كثيرة إلى أن انتهى به المطاف بواباً في مبنى انفينيتي وهو بناء سكني فخم في منطقة خليج سان فرانسيسكو.
وفي يوم من أيام عام 2013 أشارت صديقته الفلسطينية-الأميركية مريم إلى تمثال لناسك يمني يحتسي القهوة في الجانب الآخر من مبنى انفينيتي.
وماذا يفعل ذلك التمثال هنا؟
كان شعار شركة “هيلز برذرز” للقهوة والتي تستوردها من موطن مختار الأصلي- اليمن.
اليمن- موطن القهوة
اكتشف مختار لاحقاً أنه “بحسب الأسطورة تم تحضير أول مشروب للقهوة في المخا وهو ميناء على الساحل اليمني”.
وعندما علم ذلك قرر –بالرغم من إفتقاده للمال والتعليم النظامي- تأسيس شركة لاستيراد وتصدير القهوة تربط اليمن والولايات المتحدة عبر هذه السلعة مرة ثانية.
ولكن ما المشكلة؟
توقفت تجارة القهوة بين البلدين في هذه اللحظة.
والسبب؟
نفس القصة القديمة: “من الناحية التاريخية عندما لا يتعرض اليمن للغزو أو الإستعمار من القوى الخارجية من العثمانيين إلى البريطانيين يتقاتل أبناء اليمن فيما بينهم”. وهناك “25 مليون مواطن في اليمن وما لا يقل عن 13 مليون مسدس- واليمن تلي الولايات المتحدة في الدولة الأكثر تسلحاً على مستوى الأفراد. يحمل الرجال البنادق ويمشون في الأسواق ويحضرونها معهم إلى الأعراس”.
ولذلك تدنت صادرات اليمن من القهوة إلى أدنى مستوياتها عندما اهتم مختار بتلك المسألة وكانت الصادرات من حبوب القهوة ذات نوعية رديئة.
صمم مختار على العودة إلى اليمن وتغيير ذلك بأسرع ما يمكن. وكان على يقين بأن لدى اليمن الكثير مما تقدمه للعالم.
البحث عن حبوب القهوة
قرر مختار أن يتحول إلى مصدّر القهوة. فذهب إلى اليمن وقضى الأشهر الثلاثة التالية يتنقل من مزرعة قهوة إلى أخرى في البلاد لجمع عينات من حبوب القهوة. وبدأ بدراستها والعمل مباشرة مع مزارعي القهوة اليمنيين وخبير محلي يدعى ويليام بوت وهو الشخص نفسه الذي ساعد مختار على ضمان التمويل اللازم لرحلته الأولى إلى اليمن.
وبعد أن جمع حبوب القهوة بجهود مضنية، قام مختار بإحضارها إلى الولايات المتحدة وإرسالها إلى بضعة خبراء الذين قاموا بغليها واختبار نوعيتها. وبعد إنتهاء الإختبارات أُبلغ مختار عن المزرعة التي أنتجت أفضل الحبوب.
ولذلك استعان مرة أخرى ببعض الدعم المالي من المستثمرين الأميركيين وعاد إلى اليمن لزيارة المزرعة المعنية.
وبالطبع لم يحمل معه أي عرض ولكنه عاد محملاً بمعرفة واسعة وقدم للمزارعين تقنيات جديدة وتقانات الزراعة والحصاد المتطورة. وبحث في الوقت ذاته عن طرق متنوعة لمعاملة وتوضيب الحبوب. واكتشف أثناء ذلك حكاية يمنية يزيد عمرها عن قرون عدة: أي السبب الكامن وراء تدني صناعة القهوة اليمنية وهو استغلال اليمنيين أو السماح باستغلال العمال.
وفي هذه الحالة تمثلت المشكلة في مطحنة رئيسية تتبع الحالة السائدة في اليمن أي تدفع للعمال أقل ما يمكن والحصول على أكبر ما يمكن منهم ودفعهم للعمل في ظروف غير إنسانية.
رفض مختار التعامل مع هذا الطراز من الشركات وقام بتأسيس مطحنته الخاصة. ولم يعدم الحيلة لجذب العمالة من المطاحن الأخرى. وكل ما فعله دفع رواتب أفضل.
إندلاع الحرب الأهلية
ومن ثم إندلعت الحرب الأهلية. كان مختار وقتها في اليمن وبحاجة للمغادرة بأسرع ما يمكن لحضور مؤتمر مهم عن القهوة. لم يتوفر في ذلك الوقت رحلات جوية تغادر اليمن وسيطر “أنصار الله” (الحوثيون) من الشمال على معظم الطرق. وكان سلاح الجو السعودي يقصف اليمن ليلاً ونهاراً من دون تمييز بين المدنيين والمتمردين.
ولحسن حظه كان مختار مواطناً أميركياً وظن أنه لن يصادف مشاكل في نقله خارج اليمن ولكن الحقيقة كانت عكس ذلك. فلم تفعل الحكومة الأميركية أي شيء لمساعدته أو مساعدة أي من المواطنين الأميركيين الآخرين على مغادرة اليمن.
ومن المستغرب أن الحكومة الأميركية لم تفعل أي شيء لإيقاف القصف الجوي لليمن بالرغم من علاقة التحالف الوثيقة بينها وبين السعودية.
باشر الخنشلي رحلة استمرت سبع ساعات للإنتقال من صنعاء إلى ميناء عدن. وهناك تم الاشتباه به وبأصدقائه من بعض المسلحين وتم إنزالهم من السيارة وتغطية أعينهم وقذفهم إلى مؤخرة شاحنة. أفرجت الميليشيا المسلحة عنهم لاحقاً ولكنها لم تسمح لهم بالصعود إلى السفينة المغادرة إلى الولايات المتحدة. ثم تمكنوا فيما بعد من تدبر أمورهم والركوب في قارب صغير الذي عبر بهم البحر الأحمر إلى جيبوتي حيث استقلوا من هناك طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة ووصلوا في اللحظة لأخيرة لحضور المؤتمر الآنف الذكر.
خاتمة ناسك المخا
ضمنت حبوب القهوة التي أحضرها الخنشلي من اليمن استثماراً مالياً مهماً في شركته الجديدة. وأصبحت في وقت قصير نجاحاً باهراً وتمكن من استيراد القهوة من اليمن إلى كاليفورنيا بالرغم من الحرب الأهلية.
وفي واحدة من أجمل المفارقات الظافرة قام مختار باستخدام هذا المال، إلى جانب أشياء أخرى، لاستئجار شقة في مبنى انفينيتي- وهو ذات البناء الذي عمل فيه بواباً قبل سنوات قلائل.
ومن هنا يستطيع رؤية سفينته “م س لويزيانا” التي تحمل القهوة تصل أرض الوعد من أرض موطنه اليمن.
ولكن السفينة تصل قبل الموعد ولم يكن هناك أحد للإحتفال بتلك اللحظة مع مختار.
“أز الباب. كان الكاتب حاضراً هناك ووقفنا نلهث ونضحك. لقد أضحى الحلم حقيقة. ولكننا لم نجد شمبانيا من دون كحول كي نحتفل. لم يكن هناك أصدقاء مقربّون ولا أفراد عائلة. لم يكن هناك أحد سوانا وكانت السفينة شديدة القرب منا.”
نعم. كان ديف ايغرس يدخل شقة مختار لإجراء واحدة من العديد من المقابلات مع السيد الخنشلي.
يا لها من قصة نجاح رائعة. وكثير من تلك القصص حدثت هنا في أرض الأحلام.
ولكن ما هي الرسالة التي يريد الكاتب إيصالها؟
دعوهم يدخلون يا رفاقي الأميركيون.
وكما صدحت في أغنية “عصابات نيويورك” لقد بنيت أميركا بسواعد المهاجرين بما في ذلك الجهاز الذي تقرأ من خلاله هذه المقالة.
ترجمة: إبراهيم عبد الله العلو
المصدر : الميادين نت